الخبير الدولي والمستشار المالي البروفيسور الدكتور/ وليد بيومي
إن مفهوم التدريب لم يعد مفهـوماً تقليـدياً يقتصـر على حضـور وتنظيـم البرامـج التدريبية التقليدية ومنح شهادات الحضور والاجتياز، بل أصبـح خيـاراً استراتيجياً في منظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية. فالإنسان لم يعد يطلق عليه اسم العامل أو الموظف، بل أصبح يطلق عليه اسم المورد البشري، ولذلك يعتبر الإنسان من أهم الموارد التي تقوم عليها صروح التنمية والبناء في أي دولة .ونعرف جميعاً أن الثورة الصناعية في القرن الماضي أفرزت ما كان يعرف باسم العملية الإداريـة التي تمخضـت عنها طبقـة جديـدة في الإدارة وهي طبقــة المديرين، إلا أننا في نهـايـة القـرن العشرين نجد أن ثورة المعلومات أفرزت ثورة إدارية اتجهت نحو تغيير الأسلوب والمنهج التقليدي في إدارة المنظمات، وأصبح التركيز على الإنسان الكفء القادر على التعامل مع التغـيرات والمسـتجدات والتطورات، بحـيث يصبح الثابت الوحيد في عالم اليوم والغد هو ((التغيير)) وأصبحت الإدارة هي إدارة عمليات التغيير وصولاً إلى إدارة الجودة الشاملة TQM .وتعتمـد هـذه المنهجيـة لإدارة الجـودة الشاملـة على العنصـر البشــري وتنميتـه وتطويره بصفة مستمرة، وتبعاً لذلك تطورت النظرة من الفرد المدير إلى المديـر القائـد، وأخـيراً المديـر ذي الكفـاءة العاليـة في التأثير على عناصر البيئة التي يتعامل معها ، وتحولت القيادة الإدارية إلى القيادة الاستراتيجية.. وتحـولت العمليـة الإداريـة من التحسين إلى استمرارية التحسـين.. ومن الإدارة العاديـة إلى الإدارة الوقائيـة. ولذلك يحتل التدريب مكانة بـارزة في خطط التنمية التي تصممها الحكومات.
فالتدريب يهدف إلى إحـداث تغييرات في جـوانب مختـارة لدى المتـدربين فهـو الوسـيلة الأهم التي تؤدي إلى تنميـة وتحسين الكفاية الإنتاجية للمنظمات حيث أنه أفضل مجالات الاستثمار في الإنسان.
يقول (جون زينجر) في كتابه (22 سراً إدارياً لتحقيق الكثير بالقليل): إن الحاجة ماسة للتدريب بالفعل. فالمنافسة العالميـة والقـوة العاملـة دائمة التغيير والأشـكال الإداريـة الجديـدة والتكنولوجيـا الحديثــة كلها أمور قـد فرضت متطلبات وأعباء ضخمـة على أفـرادنا. وإذا كان على قـوة عاملـة صغـيرة في شــركة قلصـت حجمها أن تـؤدي وحدها كل الأعمال فلابد من أن نرفع من مستوى مهاراتها.
ويذكر (بيتر دراكا) في كتـاب (ممارسـة الإدارة) عن أهميـة التطويـر الذاتي للمديـرين والموظفـين بحـيث لا تتـولى المؤسسة كل المسؤولية, ويوضح ذلك بقوله: ولأن التطويــر ما هـو إلا تطويـر الذات، فمـن غـير المعقـول أن تأخـذ مؤسســة على عاتقهـا مسـؤولية تطويـر الفـرد فالمسؤولية تقع على الفـرد وعلى قدراتـه ومجهوداتـه. فلا توجـد مؤسســة تحــل جهودهــا محـل جهــود الفــرد في تطويـر ذاتـه. ولكل مديـر في أي عمـل الفرصـة لتشجيـع التطويــر الذاتي للفـرد أو إعاقتـه وأيضاً لتوجيهـه توجيهاً صحيحاً أو خطأ. ويجب أن يعهد إليه بمسؤوليـة مسـاعدة جميـع الأشـخاص الذين يعملـون معـه على تركيز وتوجيـه واستخدام جهودهم لتطوير الذات بطريقة مجدية. وبمقدور كل شركة أن توفر لمديريها تحديات التطوير بشكل نظامي.
وعن أهمية التدريب في زيادة مدخول الفرد، بينت الأبحـاث والدراسـات أن التدريب أدى إلى زيـادة أجـور الموظفـين بنسبة تصل ما بين 4% إلى 11%. كما بينت الأبحاث أن الشركات حققت أرباحاً تفوق نسبة الزيادة التي حصل عليها الموظفـون بأكثر من ضعفـين. وفي دراسـة أخـرى بينت أن زيادة نفقـات التدريب بنسبة 10% حققت نسبة تحسن الإنتاجية بنسبة 3% .
وعن أهميـة التـدريب يقـول (مالكـولــم بيـل) لا يمكـن اعتبـار منـافع التـدريب أشـياء مسـلماً بهـا، فبعـض الأشـخاص يعتبرون التدريب تضييعاً للوقت ولا يشعرون بأي نقص في التدريب. وبعض أرباب العمل ينظرون إلى التـدريب على أنّه عبـارة عن نفقات لا يمكنهـم تحملها، وأن التدريب هو الذي يتلقى أول التخفيضـات في النفقات عند الرغبـة في الاقتصـاد. لكن التـدريب الجيـد كان دائمـاً شيئاً مهمـا، وهو اليـوم أكـثر أهمية، ولا يمكن لأحد اليوم أن يتعلم كل ما سوف يحتاج إليه في مجاله المهني في بدايـة ممارسـته لهـذه المهنـة.
فبغض النظر عما نمارسه من عمل فإن هذا العمل يتغير مع الزمن، لذا لا غنى لنا عن التدريب.